التاريخ
تاريخ ألمانيا
تواجد الإنسان القديم في ألمانيا منذ ما يزيد عن 600,000 عام. تم إكتشاف أول آثار إنسان النياندرتال في وادي النياندرتال بألمانيا.
القبائل الجرمانية
الإثنية الجرمانية يُفترض أنها ظهرت خلال العصر البرونزي الشمالي، أو على أبعد تقدير خلال ما قبل العصر الحديدي الروماني. من جنوب إسكندنافيا وشمال ألمانيا، بدأت القبائل في التوسع جنوباً وشرقاً وغرباً في القرن الأول قبل الميلاد، وأخذوا يتصلون مع قبائل الكلت الغولية وكذلك القبائل الإيرانية والبلطيقية والسلافية في شرق أوروبا. لا يعرف الكثير عن التاريخ الألماني المُبكر، إلا من خلال الوقائع التاريخية المسجلة للتفاعل مع الإمبراطورية الرومانية
تحت قيادة الجنرال الروماني أغسطس قيصر بدأ غزو جيرمانيا (وهو تعبير يستخدمه الرومان لتعريف الأراضي التي تمتد تقريباً من نهر الراين إلى جبال الأورال)، وفي هذه الفترة كانت القبائل الجرمانية تصارع الرومان مع الحفاظ على الهوية القبلية لقبائلهم. ألمانيا الحديثة، الممتدة ما بين الراين والدانوب، ظلت خارج الإمبراطورية الرومانية. مع العام 100 ميلادية، استقرت القبائل الجرمانية على امتداد نهر الراين ونهر الدانوب، واحتلت أكثر من مساحة ألمانيا الحديثة. وقد شهد القرن الثالث الميلادي ظهور عدد كبير من القبائل الجرمانية الغربية مثل: الألامانيون، الفرنجة، الخاتيون، السكسونيون، الفريسيون والتورينجيون. بنحو عام 260، كانت الشعوب الجرمانية قد اخترقت اللايم ونهر الدانوب على حدود الأراضي التي تسيطر عليها الإمبراطورية الرومانية.
الإمبراطورية الرومانيّة الجرمانيّة المقدّسة (962 – 1806 م)
قام شارلمان أو شارل العظيم الذي ينحدر من القبائل الجرمانية بتأسيس إمبراطورية الفرنجة. توج بعدها كأول قيصر للإمبراطورية الغربية عام 800 م، فاعتبر ذلك إحياء للإمبراطورية الرومانية التي قضى عليها البرابرة قبل ثلاثة قرون من الزمن. وكانت تربط بين شارلمان وأمير المؤمنين هارون الرشيد في بغداد علاقات ودية ومراسلات وتبادل للهدايا، ذلك لأن العباسيين في بغداد ومملكة شارلمان في آخن كانوا يخشون من قوة حكام الأمويين في الأندلس، فكان هذا التقارب بين بغداد وآخن أشبه ما يكون بالدعم المتبادل لمقاومة الأمويين. إلا أن إمبراطورية شارلمان في آخن (على الحدود بين فرنسا وألمانيا، والفرنسيون يعدّونه أمبراطورا فرنسيا) لم تعمر طويلاً، فبعد وفاة الأخير تقاسم أبناؤه الثلاثة المملكة عام 843 فيما عُرف بمعاهدة فردان، اثنتان فقط من بين هذه الممالك عمرتا هما مملكة الفرنجة الغربية، والتي عُرفت بعدها باسم فرنسا، ومملكة الفرنجة الشرقية، والتي كونت ما يعرف اليوم بألمانيا.
حسب الأعراف الحالية يعدّ تاريخ 2 فبراير 962 موافقا لميلاد ما يعرف اليوم بألمانيا، في هذا اليوم بالذات تم تتويج الملك أوتو الأول العظيم صاحب مملكة الفرنجة الشرقية إمبراطوراً أو قيصرأ على البلاد وجرت مراسيم التتويج في الفاتيكان بمدينة روما كما كان الحال مع شارل العظيم.
تطورت مملكة الفرنجة الغربية إلى أن أصبحت دولة وطنية تعرف بفرنسا، فيما سيطر زعماء المقاطعات في المملكة الشرقية على أراضيهم واستقلوا بها. رغم محاولات القيصر لاستعادة السيطرة على أراضي المملكة، تواصلت عملية التفكك واستقلالية المقاطعات داخل ما أصبح يسمى شكلياً الإمبراطورية الرومانية الجرمانية المقدسة، وتشكلت مدن أعلنت استقلالها وسيادتها. عرفت تلك المدن بعد ذلك باسم «مدن الإمبراطورية الحرة». وبالرغم من الإصلاحات ونشوب حرب الثلاثين سنة؛ بقي الإمبراطور أو القيصر يحكم البلاد اسمياً فقط.
الراهب مارتن لوثر نشر أطروحاته ال95 في عام 1517، وتحدى ممارسات الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وشرع في الإصلاح البروتستانتي. أصبح دين الكنيسة اللوثرية المنفصلة هو الدين الرسمي في كثير من الولايات الألمانية بعد عام 1530. وأدى الصراع الديني الناتج عن ذلك إلى حرب الثلاثين عاما 1618 – 1648، والتي نتج عنها تدمير الكثير من الأراضي الألمانية. كما انخفض عدد سكان الولايات الألمانية بحوالي 30 ٪ بسبب الحرب. وفي عام 1648 عُقد صلح وستفاليا والذي انتهت به الحرب الدينية في الولايات الألمانية، ولكن في الواقع كانت الإمبراطورية مقسّمة إلى العديد من الإمارات والولايات المستقلة.
منذ عام 1740 فصاعدا، سيطر على تلك المرحلة من التاريخ الألماني مملكتان، هما مملكة بروسيا، ومملكة هابسبورغ النمساويّة، حتى تم حلهما عام 1806 نتيجة للحروب النابليونية.
الرايخ الأول
تسمية الرايخ ظهرت لأول مرة عام 962، وذلك بعد تتويج أوتو الأول العظيم، الذي قام معتمداً على رايخ منطقة شرق فرنكونيا.
في العام 1512 تحول اسم الرايخ إلى الرايش الروماني المقدس للأمة الألمانية، كتعبير عن خلافة القيصر للأمبراطورية الرومانية القديمة، وأيضاً للتعبير عن الصفة المقدسة للقيصر.
وقد استمر هذا الرايخ لأكثر من ثمانية قرون حتى عهد فرانس الثاني، الذي تخلى عن عرش هابسبورغ في عام 1806 لنابليون بعد تشكيل حلف الراين.
التجديد والثورة (1814 – 1871)
استمرت الأمور على هذا النظام حتى عام 1806، كان فرانس الثاني قيصراً على النمسا (منذ عام 1804)، كما حمل لقب الإمبراطور الجرماني (احتكرت أسرة الهبسبورغ هذا اللقب منذ قرون). بدأ نابليون حملته على أوروبا، واستطاع بعد تهديدات وضغوطات أن يجبر فرانتز الثاني على التنازل عن عرشه الجرماني. كان هذا الحدث بمثابة شهادة وفاة للإمبراطورية الأولى التي أسسها أوتو الأول العظيم عند غزوه للبلاد، قضى نابوليون على استقلالية المدن الكبيرة، وقد بلغ عدد المدن الحرة حوالي 80 مدينة في ذلك الوقت، وساهم نابليون – ولو بشكل غير مقصود – في دفع تلك المدن إلى مسار الوحدة.
بعد سقوط نابليون أعيد في مؤتمر فيينا عام 1814 التأكيد على هذه الوحدة، واتفق 41 عضو في البداية من بين هذه المدن الألمانية على عقد اتحاد فيما بينها، فتشكل الإتحاد الألماني وتم وضعه تحت إدارة النمسا مؤقتاً، لكن عدد المدن تقلص فيما بعد ليصبح 33 عضواً فقط.
وكان للإتحاد هيئة وحيدة تسمى المجلس القومي ومركزه مدينة فرانكفورت وقد استمر حتى تم حله في 1866 بسبب الحرب الألمانية-الألمانية.
الخلاف مع حركة التجديد الأوربية أدى جزئياً إلى بروز الليبرالية الألمانية التي تطالب بالوحدة والحرية.
تأثر كثير من الألمان في هذه الحقبة بأفكار وتوجهات خارجية، مثل الثورة الفرنسية، والقومية التي أصبحت قوة أكثر أهمية، خاصةً في أوساط الشباب والمثقفين الذين يسعون إلى الوحدة. وقد ظهرت – لأول مرة – الألوان الثلاثة: الأسود والأحمر والذهبي التي اختيرت لتمثيل هذه الحركة، والتي تحولت فيما بعد إلى الألوان الوطنية لعلم ألمانيا الحالي.
لتأثرها بالحركات الثورية في مختلف أنحاء أوروبا وخصوصاً الثورة الناجحة ثورة 1848 في فرنسا والتي أسست الجمهورية قامت ثورة في عام 1848 في الولايات الألمانية. فرضت هذه الثورة قيام حكومات ليبرالية وانتخابات لمجلس قومي، وقد تم وضع الدستور في كنيسة باولوس في عام 1849 بمدينة فرانكفورت، لكن جيوش الأشراف الألمان أبادت الثورة بعدما رفض القيصر البروسي فريدرخ فيلهلم الرابع ملك بروسيا طلب المجلس القومي بأن يتنازل عن صفته الدينية الإلهية كقيصر لألمانيا وأن يكون حاكما بإرادة الشعب.
الصراع بين الملك الإمبراطور الألماني فيلهلم الأول إمبراطور بروسيا والحركة الليبرالية البرلمانية التي كانت تزداد قوة اندلع بسبب الإصلاحات العسكرية في عام 1862، وعين الملك أوتو فون بسمارك كرئيس وزراء بروسيا. نجح بسمارك في شن حرب على الدنمارك في عام 1864.ثم مكنه نجاح بروسيا في الفوز في الصراع العنيف مع كبرى القوى الجرمانية وهي النمسا في الحرب الألمانية – الألمانية في 1866، مكنه من خلق اتحاد شمال ألمانيا الكونفدرالي مع استبعاد النمسا.
الإمبراطورية الألمانية (1871-1918)
بدأ الاتحاد الألماني الجديد في التشكل وبوتيرة متسارعة، كانت بروسيا تقود العملية بزعامة بسمارك، فشملت كل الدويلات والمدن الألمانية شمال الإمبراطورية الألمانية القديمة. ثم قامت بعدها الحرب الفرنسية البروسية في عام 1870-1871، وكان أن انتصرت بروسيا من جديد فأصبحت القوة الرئيسية في أوروبا. أعلن ملك بروسيا فيلهيلم الأول نفسه قيصرا على الإمبراطورية الألمانية التي أُعلنت في قصر فرساي في 18 يناير 1871 وكانت عاصمتها برلين ومستشارها بسمارك. عرفت هذه الفترة باسم الإمبراطورية الثانية أو الرايخ الثاني. رغم أن هذه الإمبراطورية حاولت إظهار نفسها كخليفة للإمبراطورية الأولى أي الرايخ الأول الذي أسسه أوتو الأول العظيم إلا أن حدود الدولتين كانت مختلفة.
ضمت الإمبراطورية الجديدة أراض جديدة لأنها ضمت أراضي الإمبراطورية الألمانية وبروسيا التي لم تكن ضمن إمبراطورية الرايخ الأول باستثناء أراضي النمسا، ثم وابتداء من عام 1884 استحوذت ألمانيا على العديد من المستعمرات في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
في الفترة التالية لتوحيد ألمانيا أمّنت السياسة الخارجية للإمبراطور فيلهلم الأول لألمانيا الحصول على وضعها كأمة عظيمة من خلال تشكيل تحالفات، وعزل الجمهورية الثالثة الفرنسية في فرنسا من خلال الوسائل الدبلوماسية، وتجنب الحرب.
لكن ألمانيا تحت قيادة القيصر فيلهلم الثاني، ومثلها مثل دول أوروبية أخرى، ونتيجة لظهور النزعة الإمبريالية الجديدة، قامت بأعمال إمبريالية أدت إلى الاحتكاك مع البلدان المجاورة.
معظم تحالفات ألمانيا التي وقعت في السابق لم تكن تُجدد، وهكذا نشأت تحالفات جديدة تستبعد ألمانيا. خصوصاً ما فعلته فرنسا من إقامة علاقات جديدة، وذلك من خلال التوقيع على الوفاق الودي مع المملكة المتحدة وتأمين العلاقات مع الإمبراطورية الروسية. فضلا عن اتصالاتها مع الإمبراطورية النمساوية المجرية، أصبحت ألمانيا في عزلة متزايدة بسبب كل ذلك.
ألمانيا الاستعمارية التي وصلت إلى خارج أراضيها، جمعت العديد من القوى الأخرى في أوروبا من أجل المطالبة بنصيبها من أفريقيا. وفي مؤتمر برلين عام 1884 قسمت أفريقيا بين القوى الأوروبية. تملكت ألمانيا عدة قطع من الأراضي في أفريقيا بما في ذلك شرق أفريقيا الألمانية، أفريقيا الجنوبية الغربية، توغو، والكاميرون. وأدى التزاحم على أفريقيا إلى التوتر بين القوى العظمي والذي ربما ساهم في الظروف التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى.
مثل إغتيال الدوق فرانس فرديناند ولي عهد النمسا في سراييفو يوم 28 يونيو 1914 الشرارة لإندلاع الحرب العالمية الأولى.
بدأت الحرب العالمية الأولى، وهي حرب قامت في أوروبا ثم امتدت لباقي دول العالم ما بين عامي 1914 و1918. بدأت الحرب حينما قامت الإمبراطورية النمساوية المجرية بغزو مملكة صربيا، فأعلنت روسيا الحرب على النمسا، فدخلت ألمانيا الحرب كحليف للنمسا، ودخلت فرنسا وبريطانيا كحلفاء لروسيا. إذ كان الوفاق الثلاثي هو روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى إيطاليا، أما الحلف الثلاثي الأخر فكان إمبراطورية النمسا والمجر وألمانيا، واستعملت لأول مرة الأسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الأولى كما تم قصف المدنيين من السماء لأول مرّة في التاريخ.
شهدت الحرب ضحايا بشرية لم يشهدها التاريخ من قبل وسقطت السلالات الحاكمة والمهيمنة على أوروبا والتي يعود منشأها إلى الحملات الصليبية، وتغيرت الخارطة السياسية لأوروبا بشكل كامل. تعد الحرب العالمية الأولى البذرة للحركات الإيديولوجية كالشيوعية وصراعات مستقبلية أخرى كالحرب العالمية الثانية، بل وحتى الحرب الباردة.
عانت ألمانيا، كجزء من فشل قوات المحور من الهزيمة في الحرب ضد قوات الحلفاء في واحد من أعنف الصراعات على مر العصور. اندلعت ثورة نوفمبر عام 1918 وتنازل على إثرها القيصر فيلهلم الثاني وجميع الأمراء الألمان عن الحكم وانتهى عهد الحكم الملكي في كل من ألمانيا والنمسا. وأعلِن عن قيام جمهورية ألمانية ديمقراطية عُرِفت بجمهورية فايمار. تعود أسباب قيام ثورة نوفمبر إلى ضيق الشعب بالأعباء الاقتصادية السيئة التي عمت ألمانيا خلال سنوات الحرب الأربعة، والتي كان يحكمها نظام قيصري ذو دستور رجعي وغير ديمقراطي، بالإضافة إلى التأثير القوي للهزيمة على الإمبراطورية الألمانية، فضلا عن التوترات الاجتماعية التي نشبت بين نخبة حاكمة فاسدة من الطبقتين الأرستقراطية والبورجوازية.
وكان من أهم الأسباب التي أشعلت الثورة، السياسة التي اتبعتها قيادة الجيش، والتي أسفرت عن هزيمة الأسطول الحربي الألماني في الحرب العالمية الأولى. مما أدى إلى قيام ضباط البحرية بالتمرد في مينائي فيلهلمسهافن وكيل، وتطور التمرد إلى ثورة عارمة امتدت إلى ألمانيا كلها. وخرج الشعب للمطالبة بالجمهورية وإسقاط القيصر. ورضخ القيصر فيلهلم الثاني ووقع وثيقة التنازل عن العرش في 9 نوفمبر 1918.
غير أن الأحزاب التي قادت الثورة رأت أن القضاء الكامل على النخبة التي كانت تحكم في عهد القيصر المخلوع، قد يقود البلاد إلى حافة حرب أهلية, فقررت الإبقاء عليها وإقامة علاقات طبيعية معها. وهكذا تحالف قادة الثورة مع قيادة الجيش, مما أدى إلى نشوب أعمال شغب واسعة عرفت باسم «انتفاضة سبارتاكوس» التي قادتها القوى اليمينية. لكن تم القضاء على هذه الثورة الصغيرة.
وفي 11 أغسطس 1919 تم وضع دستور جديد للجمهورية عرف بدستور فايمار. وتم انتخاب فريدريش إيبرت أول رئيس للرايخ في جمهورية فايمار.
وضعت الهدنة مع ألمانيا حداً للحرب وقد تم التوقيع عليها في 11 نوفمبر 1918 وتم إجبار ألمانيا على التوقيع على معاهدة فرساي في يونيو 1919. خلال التفاوض وعلى عكس المفاوضات الدبلوماسية التقليدية في فترة ما بعد الحرب، تم استبعاد القوى المهزومة من حلف المحور. وكان ينظر إلى هذه المعاهدة في ألمانيا باعتبارها مهينة واستمراراً للحرب بوسائل أخرى وبسبب قسوتها فإنها كثيراً ما يستشهد على أنها سهلت في وقت لاحق بروز النازية في ألمانيا.
ومن نتائج الحرب في معاهدة فرساي:
- فرض غرامة مالية كبيرة على الدول المنهزمة.
- فرض قيود على تسليح الجيش الألماني.
- فقدان الدولة العثمانية كل ممتلكاتها في أوروبا وآسيا.
- توسع الإمبراطوريتين الفرنسية والإنجليزية.
- اختفاء أربع إمبراطوريات عريقة هي: الإمبراطورية النمساوية المجرية – الإمبراطورية الألمانية – الدولة العثمانية – الإمبراطورية الروسية.
ويقول بعض المؤرخين أن الذين حضروا مؤتمر فرساي هم أنفسهم الذين وضعوا بأيديهم بذور الحرب العالمية الثانية؛ ففرنسا تقاسمت العالم مع إنجلترا وأهملت الدول الاستعمارية الأخرى مثل روسيا وألمانيا وإيطاليا مما هيأ لقيام الحرب العالمية الثانية.
بعد مؤتمر فرساي تم اقتطاع العديد من المناطق الألمانية لصالح قوات الحلفاء المنتصرة، الألزاس واللورين تم ضمهما إلى فرنسا، بلجيكا حصلت على مقاطعة أويبن-مالميدي، كما ذهب جزء من الشلسفيغ إلى الدنمارك، مقاطعات بوزن وبروسيا الشرقية والمناطق المحيطة بها ذهبت كلها إلى بولندا، كما تحصلت دول أخرى ناشئة على مناطق أخرى على غرار ليتوانيا وتشكوسلوفاكيا. وأخيراً تقاسمت كل من فرنسا وبريطانيا المستعمرات الألمانية في أفريقيا وباقي القارات.
جمهورية فايمار (1919-1933)
أُعلنت ألمانيا جمهورية عند بداية الثورة الألمانية في نوفمبر 1918. ثم في 11 أغسطس 1919 وقّع الرئيس فريدريش إيبرت دستور فايمار الديمقراطي.
عرفت ألمانيا تحولا من الحكم الديموقراطي إلى الحكم الاستبدادي، فكانت هذه الجمهورية بشكل أو بآخر مجرد استمرارية للحكم القيصري الذي سقط بثورة نوفمبر. فقد كان منصب رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب يتمتع بصلاحيات كبيرة. أيضاً حيث لم تقم أية مسائلة جادة حول المتسبب في الحرب العالمية ولا حتى بنتائجها الفظيعة، على الرغم من أن الوثائق الألمانية تشير إنه بعد مقتل خليفة القيصر النمساوي في سراييفو في 28 يونيو 1914 تعمدت القيادة السياسية الألمانية للبلاد إضرام نار الأزمة الدولية وكانت بذلك مسببا رئيسيا لاندلاع الحرب العالمية الأولى.
كان على هذه الجمهورية التخلص من القيود والشروط التي وضعتها معاهدة فرساي، والتي أدت إلى ظروف اقتصادية صعبة، فقد اعتبرها معظم الألمان معاهدة جائرة بحقهم وقد اعتبر منع النمسا من التوحد مع ألمانيا أيضا نوعا من الحكم المجحف بحق الشعب الألماني. في نتيجة انتخابات 14 سبتمبر 1930 خرج حزب أدولف هتلر القومي الاجتماعي (المعروف بالحزب النازي) بالمرتبة الثانية من حيث القوة السياسية في البلاد، بينما خرج الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) في المرتبة الأولى، وقد قام بدعم حكومة الأقلية هذه. لاحقاً وبسبب كل هذه الظروف وبسبب التشرذم والتصدع اللذين أصابا الجمهورية، أوجد كل هذا المناخ اللازم لوصول أدولف هتلر للسلطة مع حلول سنة 1933. كان الأخير قد أوجد الأداة التي مكنته من الوصول إلى هدفه، وذلك عبر حزب العمل الألماني الوطني الاشتراكي والذي اختصر لاحقا إلى «نازي» وتحولت الجمهورية إلى دكتاتورية مطلقة سميت بالعهد النازي.
الرايخ الثالث (1933-1945)
في 27 فبراير 1933 احترق مبنى البرلمان الألماني وترتب على ذلك إعلان حالة الطوارئ في ألمانيا ملغية حقوق المواطن الأساسية. مُرر قانون التمكين في البرلمان والذي أعطى هتلر سلطة تشريعية بدون قيود. وكان الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني هو الحزب الوحيد الذي صوت ضد مشروع ذلك القانون، في حين كان الأعضاء من الحزب الشيوعي الألماني مسجونين. باستخدام صلاحياته لسحق أي مقاومة فعلية أو محتملة، أسس هتلر دولة مركزية استبدادية في غضون أشهر. أعيد تنشيط الصناعة مع التركيز على إعادة تسليح الجيش. وفي عام 1935، استعادت ألمانيا السيطرة على سارلاند، وفي 1936 تمت السيطرة العسكرية على منطقة حوض الراين المنزوعة السلاح، وكلاهما كانا قد فقدا بموجب معاهدة فرساي.
كل هذا أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية وبالتوازي مع إعادة تسليح الجيش، صارت السياسة الخارجية الألمانية أكثر عدوانية وتوسعية. في عامي 1938 و1939 ضمت النمسا وتشيكوسلوفاكيا لألمانيا وفي 1939 احتلت بولندا بغزو مزدوج ألماني – سوفيتي لتعلن كل من بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا معلنتين بذلك بداية الحرب العالمية الثانية في أوروبا والتي استمرت ست سنوات. مع تطور الحرب، سرعان ما سيطرت ألمانيا وحلفائها على جزء كبير من القارة الأوروبية.
في ربيع عام 1940، قامت ألمانيا بغزو الدنمارك والنرويج ومن بعدها فرنسا وبعض الدول الأخرى. قامت إيطاليا أيضا بإعلان الحرب ضد بريطانيا وفرنسا عام 1940.
في يونيو 1941، غزت ألمانيا الإتحاد السوفياتي. وفي العام نفسه، هاجمت اليابان القاعدة الأمريكية في بيرل هاربر، وأعلنت ألمانيا الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لتحالفها مع اليابان وتحولت الحرب لحرب عالمية مفتوحة بين معسكرين. على الرغم من أن الجيش الألماني تقدم في الاتحاد السوفيتي بشكل سريع، شهدت معركة ستالينجراد نقطة تحول رئيسية في الحرب.
بعد ذلك، بدأ الجيش الألماني بالتراجع على الجبهة الشرقية. وفي سبتمبر 1943، استسلمت إيطاليا الحليف لألمانيا، تبعاً لذلك اضطرت القوات الألمانية للدفاع عن جبهة إضافية في إيطاليا. شهد إنزال النورماندي نقطة تحول رئيسية أخرى في الحرب، فاتحاً جبهة غربية للقوات الألمانية، حيث نزلت قوات الحلفاء على شواطئ النورماندي وأحرزت تقدماً في اتجاه الأراضي الألمانية. ثم هزمت ألمانيا بعدها بوقت قصير. في 8 مايو 1945، استسلمت القوات المسلحة الألمانية بعدما احتل الجيش الأحمر برلين. ما يقرب من سبعة ملايين من الجنود والمدنيين الألمان، بمن فيهم الألمان من أوروبا الشرقية، لقوا مصرعهم خلال الحرب العالمية الثانية. في حين أقدم هتلر على الانتحار بصحبة عشيقته إيفا براون في ملجأهما المحصن اسفل مبنى المستشارية ببرلين.
الانقسام والاتحاد (1945-1990)
أسفرت الحرب عن تقسيم ألمانيا من قبل الحلفاء إلى أربع مناطق احتلال عسكري.
القطاعات الغربية، التي سيطرت عليها كل من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، دمجت في 23 مايو 1949، لتشكل جمهورية ألمانيا الاتحادية، وفي 7 أكتوبر 1949، أصبحت المنطقة السوفييتية (القطاع الشرقي) جمهورية ألمانيا الديمقراطية (DDR). عُرفت الدولتان خصوصاً خارج ألمانيا بأسماء غير رسمية هي ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وعُرف شطرا برلين كبرلين الشرقية وبرلين الغربية. اختارت ألمانيا الشرقية برلين الشرقية عاصمة لها، في حين أًختيرت بون عاصمة لألمانيا الغربية. ومع ذلك، أعلنت ألمانيا الغربية أن بون عاصمة مؤقتة لها، من أجل التأكيد على موقفها بأن الحل القائم على دولتين آنذاك هو وضع مصطنع ومن المحتم ان يتم التغلب على هذا الوضع وتوحيد ألمانيا مجدداً في يوم ما.
ألمانيا الغربية، التي تأسست كجمهورية برلمانية فيدرالية تتبنى اقتصاد السوق الاشتراكي، كانت متحالفة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. وقد تم صياغة الدستور من قبل ممثلين للبرلمانات المنتخبة ديمقراطياً في المناطق الخاضعة للاحتلال في بون، كان هذا الدستور رداً على البنية الهيكلية لدستور الرايش الذي يعود لعام 1919، وبالتالي رداً على انهيار جمهورية فايمار. تمتعت البلد بالنمو الاقتصادي لفترات طويلة ابتداءا من أوائل الخمسينيات من القرن العشرين وإطلق عليها اصطلاحاً المعجزة الاقتصادية وساعدت فترة الازدهار هذه على توطين واندماج حوالي 8 ملايين مُهجر من المناطق الشرقية التي رُحّلوا عنها بعد الحرب. وانضمت ألمانيا الغربية لحلف شمال الأطلسي في 1955 وكانت أحد الأعضاء المؤسسين للسوق الأوربية المشتركة في 1957. وفي 1 يناير 1957، قدمت سارلاند انضمامها إلى ألمانيا الغربية بموجب المادة 23 من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
ألمانيا الشرقية كانت إحدى دول الكتلة الشرقية تحت السيطرة السياسية والعسكرية للإتحاد السوفييتي عن طريق قوات الاحتلال وحلف وارسو. في حين كانت تدعي أنها دولة ديمقراطية ، السلطة السياسية كانت تقرر من قبل الأعضاء القياديين في المكتب السياسي لحزب الوحدة الاشتراكي الألماني. وقد تم ضمان تلك السلطة من قبل جهاز أمن الدولة الاشتازي، وهو جهاز سري هائل الحجم سيطر على كافة جوانب الحياة في المجتمع الألمانى حينئذ، وكان ذلك مقابل توفير الاحتياجات الأساسية للسكان وبأسعار منخفضة من قبل الدولة كانت مرضية وكافية. أصبحت جمهورية ألمانيا الديمقراطية قائمة على الاقتصاد الشمولي على الطراز السوفيتي، وفي وقت لاحق انضمت للكوميكون. في حين استندت دعاية ألمانيا الشرقية على فوائد برامج جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاجتماعية والتهديد المزعوم المستمر لغزو ألماني غربي، بدا العديد من المواطنين بالنظر إلى الغرب من أجل الحريات السياسية والازدهار الاقتصادي. جدار برلين الذي بني في عام 1961 لمنع الألمان الشرقيين من الهرب إلى ألمانيا الغربية، أصبح رمزاً من رموز الحرب الباردة.
انخفضت حدة التوتر بعض الشيء بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية في أوائل السبعينات مع علاقات تقارب قادها المستشار فيلي برانت، والتي تضمنت قبول الأمر الواقع من خسائر في ألمانيا الإقليمية في الحرب العالمية الثانية واعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية.
في صيف 1989 قررت المجر في 2 مايو تفكيك الستار الحديدي وفتح الحدود في 23 أغسطس، مما تسبب في نزوح الآلاف من الألمان الشرقيين في 11 سبتمبر والذهاب إلى ألمانيا الغربية عبر المجر. كانت الآثار المترتبة على الأحداث المجرية مدمرة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية. مع انطلاق مظاهرات حاشدة اضطرت السلطات الألمانية الشرقية إلى تخفيف القيود المفروضة على الحدود بشكل غير متوقع في نوفمبر، مما سمح للمواطنين الألمان الشرقيين بالسفر إلى الغرب. ما كان مقصوداَ ان يكون صماما لتخفيف الضغط من أجل الإبقاء على ألمانيا الشرقية كدولة، أدى فتح الحدود في الواقع إلى تسريع عملية الإصلاح في ألمانيا الشرقية، التي اختتمت مع معاهدة اثنان + أربعة بعد مرور عام في 12 سبتمبر 1990. ثم في إطار الصلاحيات التي تخلت عنها قوى الاحتلال الأربع والتي كانت قد حصلت عليها سابقا بموجب وثيقة الاستسلام، استعادت ألمانيا سيادتها الكاملة. وهو ما سمح بإعادة توحيد ألمانيا في 3 أكتوبر 1990، مع انضمام الولايات الخمس التي أسست جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة للولايات العشر المكونة لجمورية ألمانيا الإتحادية.
الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي 1990
استناداً إلى قانون برلين الذي تم اعتماده من البرلمان في 10 مارس 1994، عادت برلين مرة أخرى لألمانيا الموحدة، في حين حصلت بون على منصب « مدينة فيدرالية » (بالألمانية: Bundesstadt) وهو منصب يعدّها بمثابة «مدينة اتحادية» ويُبقي على بعض الوزارات الاتحادية فيها. وقد تم الانتهاء من نقل الحكومة لبرلين في 1999.
منذ إعادة توحيد ألمانيا، اضطلعت ألمانيا بدور أكثر نشاطا في الاتحاد الأوروبي والناتو. وارسلت ألمانيا قوة لحفظ السلام لضمان الاستقرار في منطقة البلقان وأرسلت قوة من القوات الألمانية إلى أفغانستان المضطرب كجزء من عمل حلف شمال الأطلسي لتوفير الأمن بعد الاطاحة بطالبان.[50] نشر هذه القوات كان مثارا للجدل، حيث أنه منذ انتهاء الحرب، كانت ألمانيا مقيدة بموجب القانون المحلي أن نشر القوات يكون للدفاع فقط. ويفهم أن الانتشار في الأراضي الأجنبية لا يمكن تغطيته من خلال غطاء الدفاع، لكن تصويت البرلمان حول هذه القضية وتصديقه على إرسال القوات للمشاركة في سياق حفظ السلام انهى الجدل القانوني.
في 2005 انتخبت أنغيلا ميركل كأول امرأة تتولى منصب المتشارة في ألمانيا. بين عامي 2005 – 2009 قادت تشكيل ائتلاف موسع مع الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديموقراطي. وعقب الانتخابات العامة في 27 سبتمبر 2009، اسست ميركل حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الحر محل الحزب الاشتراكي الديموقراطي .
المصدر: ويكيبيديا