يتوقع الأوروبيون أن يكون الشتاء المقبل صعبا، إذ يعتمدون بشكل كبير على الغاز الروسي. وبعد أن أعلنت روسيا، يوم الجمعة، أن خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 1″، الذي يمد أوروبا، لن يستأنف عمله كما كان مخططا، أصبحت الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا تبحث بنشاط وفي سباق مع الزمن، عن موردين بديلين لإمداداتها من الغاز.
ولمواجهة ارتفاع أسعار الغاز، بدأت عدة دول متضررة تتخذ إجراءات داخلية، إذ تعتزم مثلا الحكومة الفرنسية تمديد “درع التعريفة الجمركية في عام 2023”. فيما اختارت ألمانيا، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، فرض ضريبة استثنائية على شركات الطاقة، سيتم استخدام جزء من عائداتها لتمويل 1.7 مليار يورو من المزايا الضريبية لـ9000 شركة كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وفي 14 سبتمبر، من المقرر أن تقدم رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، مقترحات للحد من أسعار الطاقة المرتفعة.
ويرى الخبير في سياسة الطاقة وصاحب كتاب “النووي: الحقائق المخفية”، فابيان بوجليه، في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “أزمة الغاز هي ألمانية وليست أوروبية”.
وأضاف: “قبل 20 عاما، قررت ألمانيا مضاعفة طاقات الرياح المتجددة والألواح الشمسية والتخلي عن تراثنا النووي. واتجهت نحو الغاز الروسي إلى أن أصبحت تعتمد عليه بنسبة 65 في المئة. فيما فرنسا تستورد فقط 16 في المئة لأنها نوعت من مواردها مما يجعلها في وضع أحسن بكثير من جاراتها. ومع بعض الحلول لتخفيض الاستهلاك، ستتمكن من تغطية النقص الحاصل”.
ويعتبر بوجليه أن “أزمة الغاز في ألمانيا ستخلق مشكلا أساسيا كبيرا، لأن النظام الكهربائي الأوروبي يتأسس على نظام إنتاج باهظ الثمن. وبالتالي، أزمة الغاز الألمانية ستؤدي إلى انفجار أسعار الكهرباء في محطات توليد الطاقة الحرارية التي تستخدم الغاز لإنتاج الكهرباء الألماني. وهذا سيكون له تأثير كبير على فاتورة الأوروبيين”.
ولهذا السبب، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي يعمل على “إصلاح هيكلي لسوق الكهرباء المشترك” وسيكون على القائمة في 9 سبتمبر في بروكسل في اجتماع لوزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت نفسه، تقترح جمهورية التشيك، التي تترأس مجلس الاتحاد الأوروبي حاليًا، “حدًا أقصى لسعر الغاز الذي يهدف إلى إنتاج الكهرباء” حتى تتمكن من التصرف بسرعة لصالح الأسر.
من جانب آخر، يستبعد الخبير في سياسة الطاقة أن تكون الحرب في أوكرانيا هي المتسبب الوحيد في أزمة الغاز والكهرباء وغلاء الفواتير سواء في فرنسا أو في أوروبا عموما.
ويوضح بالقول: “أزمة إمدادات الكهرباء في فرنسا ليست بأي حال من الأحوال بسبب الحرب في أوكرانيا. لسوء الحظ، فإن الإيديولوجية المناهضة للطاقة النووية والمؤيدة للطاقات المتجددة هي سبب أساسي. فرنسا مثلا، أغلقت 32 مفاعلاً نوويا من أصل 56 مفاعلاً قيد الإنتاج. ومشاكل الكهرباء ناتجة عن هذا التخفيض” .
تجدر الإشارة إلى أنه بفضل الطاقة النووية، كان السعر الفوري في فرنسا في عام 2020 عند 32.2 يورو لكل ميغاواط/ساعة، وبسبب انخفاض إنتاج طاقة الرياح في أوروبا، وصل السعر الفوري إلى 109 يورو لكل ميغاواط- ساعة في المتوسط على مدار العام، وحددت سوق العقود الآجلة سعرًا فوريًا عند 1000 يورو لكل ميغاواط / ساعة تنتهي صلاحيتها في عام 2023.
“ولكن، لأن ألمانيا وحدت مصدرها من الغاز، هنا يمكن القول إن أزمتها لها علاقة بالحرب في أوكرانيا. وبالتالي زادت الحرب من حدة أزمة الغاز التي بدأت في سبتمبر عام 2021، بعد أن انخفض إنتاج مصادر الطاقة المتجددة في ألمانيا بما في ذلك طاقة الرياح. ولتغطية النقص توجهت إلى الغاز، مما رفع ثمنه”، يضيف الخبير في سياسة الطاقة.
ويختم حديثه مؤكدا أنه لتفادي ارتفاع الأسعار بشكل مهول، “قامت ألمانيا بإعادة فتح 15 مركز توليد طاقة بالفحم بعد أن اتخذ الألمان خيار الاستمرار في التخلص التدريجي من الطاقة النووية. إذ في مارس الماضي فكر وزير الاقتصاد في تأجيل الخروج من الطاقة النووية، لكن الائتلاف الحاكم الذي يضم حزب الخضر، فضل أن يبني سياسته على الكهرباء التي تعمل بالفحم. مما يعني أنه ولغاية عام 2023 ستبقى ألمانيا تعاني من أزمة الغاز وأوروبا من أزمة الكهرباء”.
المصدر : سكاي نيوز